
الفاتيكان – ترجمة "نبض الحياة" - تناول بطريرك القدس للاتين، الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، المرحلة التاريخية التي تمر بها الأرض المقدسة في أعقاب الاتفاق الذي تمّ التوصل إليه بين حماس وإسرائيل، مؤكداً أن «علينا واجبًا تجاه جماعاتنا، وهو أن نساعدها على التطلع إلى الأمام بإيجابية وهدوء نحو مستقبل مختلف«.
أجري الحوار معه في استوديو إذاعة الفاتيكان أمس الأربعاء 15 تشرين الأول/أكتوبر، حيث تحدث عن الهدنة الهشّة القائمة حاليًا، وعن الأمل المشترك بين الفلسطينيين والإسرائيليين بألا تكون مجرد «استراحة»، بل بداية لعودة الحياة من منظور جديد لا يقوم على الحرب والعنف.
المسيحيون في غزة
سُئل البطريرك عن أوضاع المسيحيين في رعية العائلة المقدسة في غزة، التي يُفترض أن يتسلّم راعيها الأب غابرييل رومانيلّي جائزة "أكيلي سيلفستريني"، فأجاب:
»نحن على تواصل يومي معهم. يكتبون لنا أنهم لا يزالون غير مصدقين أنهم تمكنوا أخيرًا من النوم ليلة كاملة من دون أصوات القصف. الطائرات المسيّرة لا تزال تحلق، لكنهم اعتادوا عليها منذ سنوات. الأوضاع تبقى غير مستقرة. هناك اشتباكات بين فصائل مختلفة، وكان هذا متوقعًا بعد تعليق العمليات العسكرية. لا نعرف بعد إن كانت الحرب انتهت فعلاً أم لا، فالمشهد ما زال غامضًا ومليئًا بالضبابية. كل شيء يحتاج إلى إعادة بناء وتنظيم. الناس بدأوا بالعودة، لكنهم يعودون إلى أنقاض، لا مستشفيات تعمل ولا مدارس قائمة. حتى جثامين الرهائن الإسرائيليين الذين قتلوا لا تزال مسألة معقدة بسبب الفوضى التي سادت. انعدام الثقة بين الأطراف لا يزال كبيرًا، ومع ذلك هناك جو جديد، هشّ، لكنه قد يترسخ مع الوقت«.
عن بناء الرجاء والأخوّة
يقول البطريرك: «الأمر يحتاج إلى وقت. لا يجب أن نخلط بين الرجاء وحلّ الصراع. نهاية الحرب ليست بداية السلام. لكنها خطوة أولى. الرجاء هو ثمرة الإيمان. حين يثق القلب، يصنع الواقع الذي يؤمن به. علينا أن نعمل مع الذين ما زالوا راغبين في الانخراط من جديد، لبناء شبكة تواصل داخل غزة وخارجها، لأن الحدود لا يجب أن تفصل بين الناس. نحتاج إلى أخوّة، وإلى قيادات سياسية ودينية جديدة تساعدنا في صياغة رواية مختلفة قائمة على الاحترام المتبادل. الطريق طويل والجراح عميقة، لكن لا يمكن الاستسلام. علينا أن نزرع اليوم ما سيحصد الجيل القادم ثمره. مهمتنا إعداد الأسس وتهيئة الظروف لثقافة احترام تُنبت سلامًا دائمًا«.
عن آمال الناس اليوم
»نحن في مرحلة جديدة وهشّة في الوقت نفسه. خرجنا من عامين صعبين للغاية. الأمل اليوم أن تكون هذه الهدنة بداية نهاية تلك المرحلة، لا مجرد توقف مؤقت. هذا الشعور يشترك فيه الجميع، إسرائيليون وفلسطينيون، يمين ويسار، فالجميع يريد أن يطوي الصفحة. هناك اختلافات في المواقف السياسية والدينية، لكن ثمة رغبة قوية لدى الناس بالعيش مجددًا من منظور لا يقوم على الحرب والعنف«.
عن الألم المشترك بين الجانبين
»كانت هذه من أكبر مآسي المرحلة الماضية. كل طرف كان غارقًا في ألمه وغير قادر على رؤية ألم الآخر. الآن وبعد توقف المواجهات، يمكن أن نبدأ شيئًا فشيئًا بفهم ألم الطرف الآخر. الفهم لا يعني التبرير. الكراهية التي زُرعت طوال السنوات، عبر خطاب الإقصاء والاحتقار، تحتاج إلى لغة جديدة، وشهود جدد قادرين على قول الحقيقة بروح مختلفة«.
الضفة الغربية والمجتمعات المسيحية
»الوضع العام في الضفة الغربية هشّ جدًا ويتدهور باستمرار. القرى مثل الطيبة، الزبابدة، وعبود، أصبحت معزولة عن بعضها بسبب مئات الحواجز التي تعيق الحركة الداخلية. هناك اعتداءات متكررة من المستوطنين تُغضّ السلطات الطرف عنها، مما يولد توترًا وانعدامًا للأمن. اقتصاد الناس ينهار لأن مصدرَي الرزق الأساسيين – العمل داخل إسرائيل والحجّ – متوقفان. أما الجماعة الكاثوليكية الناطقة بالعبرية فهي صغيرة العدد لكنها مهمة داخل الكنيسة لأنها تذكّرنا بأن في المجتمع الإسرائيلي أيضًا معاناة وأصواتًا يجب الإصغاء إليها«.
حول المظاهرات في العالم
»شهدنا مظاهرات ضخمة، بينها في إيطاليا، عبّر فيها الناس عن رفضهم للعنف. صحيح أن هناك تجاوزات وشعارات مرفوضة، وبعضها مسّ باليهودية، وهذا غير مقبول إطلاقًا. لكن لا يمكن التعميم. ما لفتني هو التنوع: أناس من خلفيات وأجيال وانتماءات مختلفة خرجوا ليقولوا لا للعنف. هذا الوعي الجماعي إيجابي لأنه يجمع الناس حول كرامة الإنسان ورفض العنف، خطوط حمراء يجب ألا تُتجاوز حتى باسم الدفاع عن النفس«.
عودة الحجّاج إلى الأرض المقدسة
»نأمل ذلك. تحدثتُ مع حارس الأراضي المقدسة عن مبادرات مشتركة لتشجيع العودة. سننتظر أسابيع قليلة لنرى التطورات، ثم نبدأ بالدعوة إلى أن تُترجم الصلاة والدعم المادي أيضًا إلى حجّ، لأن الحضور الإنساني هو شكل من أشكال التضامن«.
حول الحاجة إلى قادة جدد
» أعتقد أن هذا من الجوانب الحاسمة. لقد كررت ذلك كثيرًا وسأكرره هنا مرة أخرى: نحن بحاجة إلى قادة جدد يتحدثون بلغة مختلفة عما سمعناه في السنوات الأخيرة، ليس فقط قادة سياسيون بل أيضًا قادة دينيون. قبل ثلاثين عامًا، كان رابين يقول شيئًا، وكان القادة الدينيون يقولون شيئًا آخر. الآن أصبح من الضروري إحداث التغيير؛ وعلينا أن ندرك ذلك. في هذا السياق، الحوار بين الأديان مهم جدًا. وأعتقد أن الحوار بين الأديان نفسه يحتاج إلى وجوه جديدة، ولا يمكن أن يتجاهل ما حدث — ما ألحق بنا جميعًا جراحًا. علينا أن نأخذ بعين الاعتبار ما قيل، وما لم يُقل — ليس للتوقف عنده، بل للمضي قدمًا، لأننا أصبحنا واعين له. يجب أن نتجاوزه، متذكرين ما حدث، دون أن نكون سذجًا. الصعوبات كثيرة، لكن لدينا واجب تجاه مجتمعاتنا — أن نساعدها على النظر إلى الأمام بإيجابية وهدوء، نحو مستقبل مختلف«.
عن الاعتراف الدولي بدولة فلسطين
»الفلسطينيون لا يحتاجون فقط إلى وقف الحرب أو المساعدات الاقتصادية، بل إلى الاعتراف بكرامتهم كشعب. لا أدري إن كانت صيغة «دولتين لشعبين» قابلة للتحقق قريبًا، لكن لا يمكن إنكار حق الفلسطينيين في الاعتراف بهم كشعب في أرضهم. التصريحات وحدها لا تكفي، بل يجب أن تترجم إلى خطوات عملية في إطار حوار حقيقي بمساندة المجتمع الدولي«.
عن قرب البابا ودعمه
»نشعر بقرب البابا لاوون، وكنا قد شعرنا سابقًا بقرب البابا فرنسيس أيضًا. رغم اختلاف الشخصيتين، إلا أن كليهما عبّر عن قربه بطرق ملموسة، من خلال الاتصالات والدعم المتواصل، خاصة مع رعية غزة. هذه المبادرات لا تُنشر في الإعلام، لكنها تعبّر عن تضامن حقيقي. آخر مبادرة كانت قبل أيام قليلة، حين أرسل البابا آلاف جرعات المضادات الحيوية إلى قطاع غزة«.