Skip to main content

عندما تُهدي بلدة لبنانيّة حِرفتها إلى البابا لاوون…

اسي مينا

لبنان - في بلدة جزّين جنوبيّ لبنان، وُلد فنٌّ فريد صار جزءًا من تراث المنطقة وهويّتها. حرفةٌ لبنانيّة رافقت التاريخ منذ العهد العثمانيّ، وهي تُعدّ من أرقى الهدايا التي تُقدَّم إلى الملوك والرؤساء ورجال الدين ومنهم البابا. إنّها السكاكين الجزّينيّة التي تروي حكاية جمال وصنعة وتاريخ أصيل.

وُلدت هذه الحرفة في العام 1770 حين استقرّت عائلة حدّاد في جزّين، لتؤسّس تقليدًا صناعيًّا فريدًا في المنطقة، واقتصرت منتجاتها في ذلك الوقت على البنادق العسكريّة والسكاكين والسيوف الفولاذيّة التي عُرفت بدقّتها وصلابتها. في مطلع ثلاثينيّات القرن العشرين، انتقلت العائلة إلى مرحلة جديدة من الإبداع، فابتكرت مقابض منحوتة على شكل رؤوس طيور، صُنعت من عظام الجِمال وقرون الجواميس.

بهذه اللمسة المميّزة، تحوّلت أدوات الحدادة إلى أعمال فنّيّة تعبّر عن ذوق لبنانيّ متفرّد يجمع الصلابة والأناقة. وقد حازت هذه الحرفة التقليديّة الفريدة تقديرًا واسعًا داخل لبنان وخارجه، إذ اعتاد الرؤساء والمسؤولون اللبنانيّون تقديمها على شكل هدايا تذكاريّة إلى كبار الشخصيّات حول العالم، منذ أيّام السلاطين العثمانيّين في القرن الثامن عشر.

تحمل كلّ قطعة من سكاكين جزّين روح لبنان الأصيل. وفي لقائهما الأخير، قدّم البطريرك المارونيّ بشارة بطرس الراعي للبابا لاوون الرابع عشر مجموعة فاخرة منها في مبادرةٍ رمزيّةٍ تؤكّد أنّ هذا الفنّ ما زال سفيرًا ناطقًا باسم الحِرَف اللبنانيّة العريقة.

للأسف، تمرّ هذه الصناعة الجزّينيّة اليوم بمرحلة صعبة، وباتت مهدّدة بالانقراض بعد تراجع عدد الحِرَفيّين. وبعد انحسار صناعة الأدوات الزراعيّة التقليديّة واعتماد المكننة الحديثة، انحصرت هذه الحرفة في شكل عام بصناعة أدوات المائدة من ملاعق وسكاكين.

المصدر: آسي مينا / رومي الهبر