Skip to main content

من أرض المسيح على دروب غاندي: زنزلخت الهند وزيتون فلسطين يتعانقان في بلدة الطيبة

الهند

الطيبة – سند ساحلية - نبض الحياة - نظّمت رعية المسيح الفادي للاتين في بلدة الطيبة، اليوم، وبالتعاون مع سفارة جمهورية الهند لدى دولة فلسطين، في قاعة الكنيسة، احتفالًا بمناسبة اليوم الدولي للاعنف الذي يصادف ذكرى ميلاد المهاتما غاندي، بحضور رسمي وشعبي واسع.

غرس رمزي لأشجار السلام في محيط كنيسة الخضر

وانطلقت فعاليات الاحتفال بلفتة رمزية من المنظمين تعبّر عن التزام الطيبة بقيم السلام واللاعنف، حيث شهد محيط كنيسة الخضر – التي تعرضت مؤخرًا لاعتداءات وتدنيس ومحاولات حرق من قبل المستوطنين – فعالية لغرس أشجار الزيتون كرمز الصمود الفلسطيني، إلى جانب شجرة زنزلخت التي تعود اصولها الى الهند، تكريمًا للعلاقة الروحية والثقافية بين الشعبين الفلسطيني والهندي.

وتمت زراعة أربع شجرات تحمل أسماء المشاركين الرسميين: شجرة باسم سعادة السفيرة ماهِيما سيكاند، وأخرى باسم معالي الوزير إسطفان سلامة، وثالثة باسم بلدية الطيبة، غرسها رئيس البلدية سليمان خورية، ورابعة باسم رعية المسيح الفادي، غرسها الأب بشار فواضله.

وجاءت هذه المبادرة لتؤكد أن جذور السلام أعمق من محاولات التخريب، وأن الأرض التي سار عليها المسيح ستظل تنبت الأمل رغم كل التحديات.

استهل برنامج الحفل بالوقوف دقيقة صمت حدادًا على أرواح الشهداء وضحايا العنف في العالم، أعقبه عزف السلامين الوطنيين الفلسطيني والهندي. وتخلل البرنامج كلمات رسمية وفقرات موسيقية وثقافية وعروض فنية، عكست رسالة الحدث في تعزيز قيم السلام والكرامة الإنسانية.

الهند

كلمة سفيرة الهند: "غاندي مُلك للإنسانية جمعاء"

في كلمتها، شددت السفيرة ماهِيما سيكاند، سفيرة جمهورية الهند لدى دولة فلسطين، على أن غاندي لم يكن مجرد زعيم وطني هندي، بل رمز إنساني عالمي ينتمي إلى البشرية كلها. وقالت: "غاندي علّمنا أن أعظم قوة في العالم ليست في السلاح أو السلطة، بل في الحقيقة والضمير واللاعنف". وأضافت أن فلسفته كانت ولا تزال مصدر إلهام لحركات التحرر حول العالم، مؤكدة أن قضيته لم تكن محصورة بالهند وحدها، بل تخطت الحدود لتلهم كل الشعوب الواقعة تحت الاحتلال أو الظلم.

وأوضحت سيكاند أن القيم التي حملها غاندي في النضال من أجل الحرية بالوسائل السلمية، تشكل جسرًا طبيعيًا بين الشعبين الهندي والفلسطيني. وقالت: "نحن نؤمن أن رسالة غاندي تجد صداها هنا في فلسطين، حيث يقف الناس صامدين في وجه التحديات، متمسكين بالكرامة والهوية والأرض". ودعت إلى تعزيز ثقافة الحوار بدل العنف، معتبرة أن غاندي كان يعلّم أن الطريق إلى العدالة يمر عبر المحبة والإنسانية لا عبر الانتقام والكراهية.

الهند

كلمة الوزير سلامة: "المسيح الفلسطيني وغاندي في مواجهة العنف"

من جانبه، أكد معالي الدكتور إسطفان سلامة، وزير التخطيط وعضو مجلس أمناء جامعة بيت لحم، أن الطيبة هي البلدة المسيحية الوحيدة الباقية بكاملها في فلسطين، وتشكل خط الدفاع الأول أمام اعتداءات الاحتلال والمستوطنين. وأوضح أن هذا الموقع يحمل رسالة خاصة للعالم: أن فلسطين، برغم كل ما تعانيه، لا تزال تتمسك بتراثها الديني والإنساني.

وقال سلامة: "إن قيم غاندي هي امتداد طبيعي لرسالة السيد المسيح، ابن هذه الأرض، الذي حمل قبل ألفي عام رسالة المحبة والسلام. المسيح الفلسطيني سار على هذه التلال والقرى، وغاندي سار على دروب مشابهة، فالتقى الاثنان في جوهر الفكرة: أن المحبة أقوى من الكراهية، وأن العدالة لا تتحقق بالعنف".

وشدد الوزير على أن الفلسطينيين يمارسون اللاعنف يوميًا من خلال التمسك بالحياة والتعليم وبناء المؤسسات رغم القيود والحصار. وأضاف: "رسالة الطيبة اليوم إلى العالم أن إنهاء الاحتلال هو الطريق الوحيد لإنهاء دوامة العنف، وأن العدالة الحقيقية لا يمكن أن تتحقق إلا بحرية الشعوب".

الوزير

كلمة الأب بشار: "السلام شجاعة لا ضعف"

أما الأب بشار فواضله، كاهن رعية المسيح الفادي، فركّز في كلمته على البعد الروحي والإنساني لرسالة غاندي، مؤكدًا أن الاحتفال بميلاده في الطيبة ليس مجرد حدث رمزي، بل دعوة متجددة لالتزام عالمي باللاعنف. وقال: "غاندي علّمنا أن اللاعنف ليس ضعفًا ولا استسلامًا، بل هو أسمى أشكال الشجاعة. إنه الطريق الذي يولّد العدالة من المحبة، لا من الكراهية، ويحوّل الألم إلى أمل".

وأضاف الأب فواضله: "هنا في الطيبة، من الأرض التي سار عليها المسيح، نتذكر أن نور السلام لا يُطفأ حتى في أحلك الظروف. نحن لا نحتفل بميلاد غاندي فحسب، بل نجدد عهدًا إنسانيًا عالميًا: أن نسير في درب الحقيقة، وأن نؤمن بقوة السلام، وأن نحمل رجاء العدالة والحرية لجميع الشعوب".

وأكد أن هذه المناسبة تأتي في وقت عصيب تمر به فلسطين والمنطقة، ما يزيد من أهمية إعادة التمسك بقيم اللاعنف. وختم بالقول: "من الطيبة، من أرض المسيح، نرفع صوتنا عاليًا ليبقى السلام رسالة حية، ولتظل الكرامة الإنسانية بوصلة كل الشعوب".

الهند

برنامج ثقافي وفني متنوع

وشهد الحفل مشاركة جوقة مدرسة البطريركية اللاتينية في الطيبة، وعرضًا موسيقيًا من أكاديمية "صول" للموسيقى، بالإضافة إلى محاضرة مصوّرة عن حياة غاندي، وفقرة دبكة شعبية من أكاديمية الدبكة. كما أقيم معرض خارجي يوثّق أبرز محطات حياة غاندي وفكره.

وقد حضر الاحتفال الاب داوود خوري كاهن كنيسة الروم الأرثوذكس والأب جاك نوبل عابد كاهن كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك والقسيس الدكتور منذر إسحاق، ورئيس بلدية الطيبة السيد سليمان خوريه، والأستاذ تامر نصر الله مدير مدرسة البطريركية اللاتينية في الطيبة، وعدد من الشخصيات ممثلي الهيئات والمؤسسات المحلية من القرى المجاورة للبلدة، وممثلين عن الأجهزة الأمنية والمؤسسات والجمعيات الوطنية والخيرية، وعدد من أبناء البلدة في الطيبة.

واختُتم الحفل، الذي تولى عرافته آية ربيع ومحمد أبو شمسية، بالتأكيد على أن رسالة غاندي في اللاعنف لا تزال حية وملهمة، وأن فلسطين – كما الهند – قادرة على تحويل الألم إلى أمل والمعاناة إلى قوة حياة، في سبيل بناء مستقبل يسوده العدل والكرامة والسلام. وأجمع المتحدثون على أن هذا اللقاء في الطيبة يشكّل جسرًا للتواصل بين الثقافات والحضارات، ورسالة موجهة إلى العالم بضرورة إعلاء قيم الحرية والعدالة فوق كل أشكال العنف والاحتلال. كما شدد الحضور على أهمية دور الأجيال الشابة في حمل هذه الرسالة وترجمتها إلى مبادرات عملية على الأرض تعزز ثقافة التسامح والتعايش.