
القدس - في القدس، تتصدَّر ضريبة «الأرنونا»، أو ضريبة المُسَقَّفات، لائحة الخلافات بين بلديّة المدينة والكنائس. واستنادًا إلى القانون الإسرائيليّ، يتعلّق الأمر بضريبة بلديّة تُفرَض على العقارات الواقعة ضمن حدود البلديّات والمجالس المحلّية، بغضّ النظر عن نوعها، وتُحتسَب عادةً وفق مساحة العقار بالمتر ونوع استخدامه.
في هذا الإطار، يوضح المحامي فريد جبران، مستشار الشؤون العامّة والحكوميّة في البطريركيّة اللاتينيّة في القدس، لـ«آسي مينا» أنّ «الأرنونا ضريبة عقارات تابعة للبلديّات، وليست ضريبة للدولة. المبدأ الأساس هو أنّ كلّ عقار داخل حدود البلديّة، سواء كان سكنيًّا أم تجاريًّا أم عامًّا، يجب أن يدفع ضريبة في مقابل الخدمات التي تُقدّمها البلديّة نفسها».
على مدى قرون، كانت الكنائس في القدس ومعظم مؤسّساتها معفاة من هذه الضريبة، منذ العهد العثمانيّ، مرورًا بفترة الانتداب البريطانيّ، وحتّى قيام إسرائيل. وكان الإعفاء شبه مطلق، باستثناء الأنشطة التجاريّة البحتة. ويشرح جبران أنّ «الكنائس كانت تُقدّم خدمات لم تقدّمها الدولة، مثل الخدمات التعليميّة والاستشفائيّة والمحاكم الكنسيّة، لذلك أعفِيَت من الضرائب تاريخيًّا».
ويُضيف أنّ «تغيير النظام القانونيّ قبل نحو 15 سنة تجاهلَ هذا الواقع التاريخيّ، ما أدّى إلى مطالبة الأديار والمساكن التابعة للكهنة وبيوت الضيافة والمستشفيات وجمعيّات مثل كاريتاس، بدفع الضريبة، على الرغم من أنّ هذه المؤسّسات غير ربحيّة وتؤدّي دورًا اجتماعيًّا مهمًّا».
بُعد قانونيّ ودوليّ
للقضيّة بُعدٌ قانونيّ دوليّ أيضًا؛ فمنذ العام 1993، يتفاوض الفاتيكان وإسرائيل حول الوضع الماليّ والضريبيّ لممتلكات الكنائس في القدس، بما في ذلك الأرنونا. ويؤكّد جبران أنّ «الاتّفاقيّة الأساسيّة واضحة: طالما أنّ المفاوضات مستمرّة، لا يحقّ لأيّ طرف اتّخاذ إجراءات أحاديّة». ويُضيف: «مع ذلك، بدأت البلديّات في السنوات الأخيرة إرسال أوامر حجز واتّخاذ إجراءات قانونيّة في حقّ الكنائس، على الرغم من أنّ الفاتيكان كان يحتجّ ويؤكّد أنّ ذلك يُخالف بنود الاتفاقيّة».
ويُشير إلى أنّ الاتّفاقيّة نصَّت على إنجاز المفاوضات في خلال سنتَين، «لكن اليوم وبعد أكثر من 30 سنة من المفاوضات لم نصل إلى حلّ. الدولة تقول إنّ بعض الممتلكات يُستخدَم تجاريًّا، مثل المطاعم داخل ممتلكات الكنيسة، وهذا لا يشمله الإعفاء. وهنا، يُفتَح النقاش حول ما يُعَدّ تجاريًّا وما يُعدّ خدمةً كنسيّة».
انعكاساتٌ على الكنائس
يلفت جبران الانتباه إلى أنّ الضرائب المفروضة على المؤسّسات الكنسيّة تمسّ قدرتها على أداء رسالتها الدينيّة والاجتماعيّة وحماية التراث المسيحيّ في القدس. ويشرح: «هذه الضرائب تؤثّر في صيانة المباني التاريخيّة والكنائس القديمة، وتشغيل المدارس والمستشفيات، وتقديم الخدمات المجتمعيّة».
وفي خطوة أخيرة أثارت استنكارًا، جمَّدت السلطات الإسرائيليّة الحسابات المصرفيّة لبطريركيّة الروم الأرثوذكس في القدس وفرضت ضرائب مرتفعة على ممتلكاتها. ورأت اللجنة الرئاسيّة العليا لمتابعة شؤون الكنائس أنّ هذه الخطوة تُمثّل «استهدافًا للوجود المسيحيّ الأصيل في فلسطين». وحتّى الآن، لم تُصدِر أيّ معلومات رسميّة تؤكّد رفع التجميد فيما لا تزال الكنيسة تواجه تحدّيات ماليّة تؤثّر في قدرتها على تقديم خدمات روحيّة وإنسانيّة واجتماعيّة.
المصدر: آسي مينا.