تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

البابا: عندما نربّي على الإيمان، نحن نضع في القلب كلمة الحياة، لكي تثمر ثمار حياة صالحة

البابا

الفاتيكان - "يشكل التعليم المسيحي "أداة السفر" التي تحمينا من الفردية والانقسام، لأنه يشهد لإيمان الكنيسة الكاثوليكية بأسرها. وكل مؤمن يساهم في عملها الرعوي بالإصغاء إلى الأسئلة، ومشاركة التجارب، وخدمة الرغبة في العدالة والحق التي تسكن الضمير البشري" هذا ما قاله قداسة البابا لاوُن الرابع عشر في عظته مترئسًا القداس الإلهي بمناسبة يوبيل أساتذة التعليم المسيحي.

بمناسبة يوبيل أساتذة التعليم المسيحي ترأس قداسة البابا لاوُن الرابع عشر القداس الإلهي في ساحة القديس بطرس منح خلاله رتبة خدمة أستاذ التعليم المسيحي لتسعة وثلاثين مرشحًّا من مختلف أنحاء العالم؛ وقد تخللت الذبيحة الإلهية عظة للأب الأقدس دعا فيها المؤمنين للنظر بعيني الله وقال تُظهر لنا كلمات يسوع كيف ينظر الله إلى العالم، في كل زمان ومكان. في إنجيل اليوم الذي سمعناه، ترى عيناه فقيراً وغنياً، الذي يموت جوعاً والذي يتخم نفسه أمامه؛ تريان ثياب الأول الأنيقة وجراح الآخر التي كانت تلحسها الكلاب. ولكن ليس هذا فقط: فالرب ينظر إلى قلب الإنسان، ومن خلال عينيه نتعرف على فقيرٍ ولا مبالٍ. لقد نُسيَ لعازر من قبل الذي كان أمامه، على بُعد خطوات من باب بيته، ومع ذلك كان الله قريبًا منه ويذكر اسمه. أما الرجل الذي كان يعيش في الوفرة فلم يكن له اسم، لأنه فقد ذاته، إذ نسي القريب. كان تائهًا في أفكار قلبه، ممتلئًا بالأشياء وفارغًا من المحبة. وخيوره لم تجعله صالحاً.

تابع البابا يقول إن القصة التي سلمنا إياها المسيح هي للأسف معاصرة جداً. على أبواب الترف اليوم يقف بؤس شعوب كاملة، يجرحها الحرب والاستغلال. عبر القرون، يبدو أن شيئاً لم يتغير: كم من لعازر يموتون أمام جشع ينسى العدالة، وربح يدوس المحبة، وغنى أعمى أمام ألم البائسين! ومع ذلك، يؤكد الإنجيل أن آلام لعازر لها نهاية. انتهت أحزانه مثلما انتهت ملذات الغني، وأجرى الله العدالة لكليهما: "ماتَ المسكين فحَمَلَتهُ المَلائِكَةُ إِلى حِضْنِ إِبراهيم. ثُمَّ ماتَ الغَنيُّ ودُفِن". إنّ الكنيسة لا تملّ من إعلان كلمة الرب هذه، لكي تحوّل قلوبنا.

أضاف الحبر الأعظم يقول أيها الأعزاء، بمصادفة مميّزة، تمّ إعلان هذا النص الإنجيلي نفسه خلال يوبيل أساتذة التعليم المسيحي في سنة الرحمة. وإذ توجّه إلى الحجاج الذين جاؤوا إلى روما لتلك المناسبة، شدد البابا فرنسيس على أن الله يفتدي العالم من كل شرّ، ويبذل حياته لخلاصنا. إن عمله هو بداية رسالتنا، لأنه يدعونا لكي نبذل ذواتنا من أجل خير الجميع. وقال البابا لأساتذة التعليم المسيحي: "هذا المحور الذي يدور حوله كل شيء، هذا القلب النابض الذي يعطي الحياة لكل شيء، هو الإعلان الفصحي، الإعلان الأول: إنّ الرب يسوع قام من الموت، الرب يسوع يحبك، وقد بذل حياته من أجلك؛ إنّه قائم وحيّ، وهو يقف إلى جانبك وينتظرك كل يوم".

تابع الأب الأقدس يقول هذه الكلمات تدعونا للتأمل حول الحوار بين الغني وإبراهيم الذي سمعناه في الإنجيل: إنه تضرع يرفعه الغني لكي يخلِّص إخوته، ويتحول بالنسبة لنا إلى تحدّ. وإذ تحدث الغني مع إبراهيم قال له: "إذا مَضى إِليهِم واحِدٌ مِنَ الأَمواتِ يَتوبون". فأجابه إبراهيم: "إِن لم يَستَمِعوا إِلى موسى والأَنبِياء، لا يَقَتَنِعوا ولو قامَ واحِدٌ مِنَ الأَموات". وها قد قام واحد من بين الأموات: يسوع المسيح. وبالتالي فإنّ كلمات الكتاب المقدس لا تريد أن تخيّبنا أو تثبّطنا، بل أن توقظ ضمائرنا.

أضاف الحبر الأعظم يقول إنّ الاصغاء لموسى والأنبياء يعني أن نتذكّر وصايا ووعود الله الذي عنايته لا تترك أحداً أبدًا. إنّ الإنجيل يعلن لنا أنه يمكن لحياة الجميع أن تتغير، لأن المسيح قام من بين الأموات. وهذا الحدث هو الحقيقة التي تخلّصنا: لذلك علينا أن نعرفها ونعلنها، ولكن هذا لا يكفي. بل علينا أن نحبّها أيضًا: وهذا الحب هو الذي يجعلنا نفهم الإنجيل، لأنه يغيّرنا ويفتح قلوبنا على كلمة الله ووجه القريب.

وفي هذا السياق، تابع الأب الأقدس يقول، أنتم يا أساتذة التعليم المسيحي هم تلاميذ يسوع الذين يصبحون شهوداً له: فاسم خدمتكم يأتي من الفعل اليوناني "كاثيخين" الذي يعني التعليم بصوت عالٍ، وجعل صداه يتردد. وهذا يعني أن أستاذ التعليم المسيحي هو إنسان الكلمة، كلمة ينطق بها بحياته. لذلك أول أساتذة التعليم المسيحي هم والدينا، الذين تكلّموا إلينا أولاً وعلّمونا الكلام. وكما تعلّمنا لغتنا الأم، هكذا لا يمكن تفويض إعلان الإيمان إلى أشخاص آخرين، وإنما هذا يحدث حيث نعيش. أولاً في بيوتنا، وحول المائدة: فعندما يكون هناك صوت أو إشارة أو وجه يقود إلى المسيح، تختبر العائلة جمال الإنجيل.

أضاف الحبر الأعظم يقول لقد تربّينا جميعاً على الإيمان من خلال شهادة الذين سبقونا في الإيمان. كأطفال وفتيان، وشباب، وثم كبالغين ومسنين أيضًا، يرافقنا أساتذة التعليم المسيحي في الإيمان من خلال المشاركة في مسيرة دائمة، كما فعلتم أنتم خلال هذه الأيام في حجّكم اليوبيلّي. وهذه الديناميكية تشمل الكنيسة كلها: في الواقع بينما يلد شعب الله رجالاً ونساءً للإيمان، "ينمو أيضاً فهمُ الأمور والكلمات المنقولة، سواء بتأمل المؤمنين ودراستهم لها في قلوبهم، أو بالفهم الذي يمنحه اختبار أعمق للأمور الروحية، أو بكرازة أولئك الذين نالوا مع الخلافة الأسقفية موهبة أكيدة للحق".

وفي هذه الشركة، تابع الأب الأقدس يقول يشكل التعليم المسيحي "أداة السفر" التي تحمينا من الفردية والانقسام، لأنه يشهد لإيمان الكنيسة الكاثوليكية بأسرها. وكل مؤمن يساهم في عملها الرعوي بالإصغاء إلى الأسئلة، ومشاركة التجارب، وخدمة الرغبة في العدالة والحق التي تسكن الضمير البشري. وهكذا فإن أساتذة التعليم المسيحي يعلِّمون أي يتركون أثراً في الداخل: فعندما نربّي على الإيمان، نحن لا نقدّم تعليماً نظرياً، بل نضع في القلب كلمة الحياة، لكي تثمر ثمار حياة صالحة. إلى الشمّاس دِيوغراسياس، الذي كان يسأل كيف يمكنه أن يكون أستاذ تعليم مسيحي صالح، أجاب القديس أوغسطينوس: "اشرح كل شيء بحيث كل من يصغي إليك، يصغي فيؤمن، وإذ يؤمن يرجو، وإذ يرجو يُحبّ".

وختم البابا لاوُن الرابع عشر عظته بالقول أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، لنجعل هذه الدعوة دعوتنا! لنتذكّر أنه لا أحد يعطي ما لا يملكه. لو كان الغني في الإنجيل يتحلّى بالمحبة تجاه لعازر، لكان أحسن، ليس فقط للفقير، وإنما لنفسه أيضاً. لو أن ذلك الرجل الذي لا اسم له قد تحلى بالإيمان، لخلّصه الله من كل عذاب: إنَّ التعلق بالثروات الأرضية هو ما حرمه من الرجاء بالخير الحقيقي والأبدي. وعندما نُجرَّب نحن أيضاً بالجشع واللامبالاة، يذكّرنا الكثير من لعازر اليوم بكلمة يسوع، فيصبحون لنا تعليماً أكثر فعالية في هذا اليوبيل، الذي هو للجميع زمن ارتداد وغفران، زمن التزام من أجل العدالة وبحث صادق عن السلام.