تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

أهمية النوم المبكر في تطوّر الطفل العقلي واللغوي

نوم

يعدُّ النوم المبكر من أهمّ العادات التي تؤثّر بشكل مباشر على تطوّر الطفل في سنواته الأولى. ففي أثناء النوم، ينشط الدماغ ويُعيد تنظيم المعلومات التي اكتسبها الطفل خلال النهار. ولذلك، بدأ الباحثون مؤخرًا في دراسة العلاقة بين مواعيد النوم المبكرة ونمو الدماغ لدى الأطفال دون الخامسة، وهي مرحلة حاسمة يتم خلالها بناء القدرات العقلية واللغوية بشكل أساسي.

وفي ضوء هذه الدراسات، أظهرت النتائج أن الأطفال الذين ينامون في وقتٍ مبكر يتمتعون بنشاط ذهني أعلى وقدرة لغوية أوضح مقارنةً بأولئك الذين يسهرون لساعات متأخرة. لذا، أصبح النوم في وقت مناسب جزءًا لا يتجزأ من التربية الصحية والعقلية المتكاملة.

النوم المبكر ودوره في تطوّر الدماغ

يعمل الدماغ أثناء النوم على بناء الروابط العصبية المسؤولة عن الذاكرة والانتباه والتعلّم. عندما ينام الطفل في وقتٍ مبكر، يبدأ هذا النشاط الحيوي في ذروته، فيستفيد دماغه من ساعات الليل الهادئة لإصلاح الخلايا وتنظيم المعلومات. وتشير أبحاث جامعة هارفارد إلى أن الأطفال الذين ينامون قبل الساعة التاسعة مساءً يحقّقون نتائج أفضل في اختبارات الذاكرة والتعبير اللغوي.

كما أن النوم المبكر يُوفّر للطفل توازنًا هرمونيًا مهمًا، إذ يفرز الجسم هرمونات النمو أثناء المراحل العميقة من النوم، وهي تحدث غالبًا قبل منتصف الليل. بالتالي، كلما التزم الطفل بموعد نوم ثابت ومبكر، ازداد نشاط دماغه وازدهرت قدراته العقلية بشكل طبيعي ومتدرّج.

العلاقة بين النوم والقدرات اللغوية

يرتبط التطوّر اللغوي بشكل وثيق بعمل الدماغ أثناء النوم. فعندما يخلد الطفل إلى الفراش باكرًا، يُعطي دماغه فرصةً لمعالجة الأصوات والمفردات التي تعلّمها خلال اليوم. وهكذا، يبدأ بتثبيت الكلمات الجديدة في ذاكرته طويلة الأمد.

أوضحت دراسة نُشرت في مجلة Sleep Medicine أن الأطفال الذين يحظون بنومٍ كافٍ في سنّ مبكرة يملكون مخزونًا لغويًا أوسع وقدرة على تكوين الجمل بشكل أسرع. لذلك، يُنصح الأهل بتحديد روتين ثابت للنوم يتضمّن أنشطة مريحة، مثل قراءة قصة قصيرة أو الاستماع إلى موسيقى هادئة قبل النوم، لأن هذه الطقوس تساعد على تهدئة الدماغ وتسريع الدخول في مرحلة النوم العميق.

العادات اليومية وأثرها في جودة النوم

يبنى روتين النوم المبكر من النهار، لا من المساء فقط. فعلى سبيل المثال، يساعد اللعب في الهواء الطلق على تفريغ طاقة الطفل وتحسين نوعية نومه. كما يساهم تجنب الشاشات قبل ساعة من النوم في تهدئة نشاط الدماغ، حيث أن الضوء الأزرق المنبعث منها يُؤخّر إفراز هرمون الميلاتونين المسؤول عن النعاس.

ينبغي للأهل أيضًا ضبط مواعيد الوجبات وتجنب الأطعمة السكرية مساءً، لأنها ترفع من معدل النشاط وتؤخّر النوم. بهذه الطريقة، ينعم الطفل بنومٍ هادئ ومُتواصل، مما يساعده على الاستيقاظ وهو أكثر تركيزًا وهدوءًا في اليوم التالي.

خاتمة

في النهاية، يثبت العلم يومًا بعد يوم أن النوم المبكر ليس مجرد عادة منزلية، بل هو عنصر أساسي في نمو الدماغ واللغة عند الأطفال دون الخامسة. فحين ينام الطفل في وقتٍ مناسب، يُطلق جسده ودماغه طاقتهما القصوى للتطوّر والتعلّم. لذا، يجب على الأهل أن يجعلوا من موعد النوم لحظة مقدّسة، لأنه يُمكّن الطفل من النمو السليم والنجاح في المستقبل.